Responsive image
بتاريخ 11-01-2021

الظبية

1236 :عدد المشاهدات

 فَجْر السبت الماضي أسرعتُ لمطار الملك خالد قاصداً جازان، وكُنتُ قد حجزتُ على خطوط ناس التي أقلعت في موعدها المحدد، لقد باتت ناس خطوطاً وطنيةً تحترم مواعيدها وتُساهم في تنمية الوطن.

وفي الطائرة سرح خيالي وتمنيتُ لو أن صندوق الاستثمارات العامة وهو يبحث عن الاستثمار يتوجه لقطاع النقل الجوي فيُقوي هذه الشركة ويشاركها بل ليته يُنشِئ شركةً جديدةً باسم (شركة طيران الحج والعمرة)، ووددتُ لو تتميز طائرات هذه الشركة الجديدة بأفلامٍ ونشراتٍ تعريفية عن الحج والعمرة وعن مناطق المملكة والأماكن السياحية فيها خاصةً والمملكة تستهدف ثلاثين مليون معتمر عام ٢٠٣٠ م، ثم إن قطاع السياحة واعدٌ في المملكة، فأغلب مناطق المملكة فيها ميزات نسبية بشرط توفر مُقوِّمات السياحة الجاذبة فمثلاً مدينة جازان حيث أنا متوجه إليها فيها موسم أسماك الحريد، وفيها جوٌ شتويٌ جميل، وبالقرب منها جزيرة فرسان يقولون: مساحتها ضعف مساحة مملكة البحرين مرات، وفيها وادي لجب العجيب، وفيها جبال فيفا، وفيها أربعة مواسم زراعية، وفيها السدود الوفيرة بالمياه، سد بيش طاقته التخزينية تزيد عن مائة وثمانين مليون متر مكعب. تلك أماني كرسي الطائرة، ولعلها تكون ذات يوم حقيقة، فكثيراً ما تحولت الأماني إلى واقع.

وحين حطَّت بنا الطائرة في مطار الملك عبد الله بجازان كان في استقبالنا الأخ محمد بن اسماعيل الحازمي، كان معلماً، وتقاعد وتفرغ للعمل الخيري لخدمة المرضى المحتاجين بجازان مع نخبةٍ من أساتذة كلية الطب في جامعة جازان، حيث أسسوا جمعية الإحسان الطبية الخيرية التي أصبحت بفضل الله نموذجاً يجسد العمل التطوعي الفعّال؛ تنقل الجمعية مرضى الفشل الكلوي، وتُسيِّر عيادات متنقلة، وتُؤمن الأجهزة الطبية للفقراء وغير ذلك من أمور علاجية، ووقفنا على وقفها قيد الإنشاء وأرجو أن تتوفر له التبرعات لكي يكتمل بناؤه. إن الاخ محمد الحازمي نموذجٌ ومدرسةٌ من مدارس الوطن العاملة الذين يجب تعريف الوطن بهم ليتعلم منهم الآخرون، لقد فرَّغ الرجل نفسه للعمل الخيري، فطول وقته رحّال يُعرِّف بالجمعية ونشاطها، ويخدم جازان وأهلها، وقد أتاح لي الرجل هناك زيارة بلدته وهي من ضواحي جازان، وهناك استوقفني نشاط رجال بلدته، ونجابة أبنائها حيث كانت لنا جلسة مع كوكبة من أساتذة كلية الطب في جامعة جازان القائمين على جمعية الإحسان، والباذلين مالهم ووقتهم خدمةً لمجتمع جازان الغالي، وحدثنا الحضور عن زميلهم الحاضر بيننا د. محمد أبو زيد الحازمي، وأنه المكتشف لحمى الوادي المتصدع، وقصَّ الرجل حكايته، وكيف تنقل بين المرضى ومنازلهم لعله يجد خيطاً لمعرفة ذلك الوباء الذي بات يهدد المنطقة، وعرض صوراً مؤثرة عن مواطنين تعاونوا معه؛ فأحدهم أنزل جثمان أبيه من السيارة ليأخذوا عينة من كبده، والآخر أخبرهم أن أغنامه تموت وقد يكون المرض بسببها، والثالث حالته رَثَّة ولكنه ناشدهم ذبح جميع أغنامه إن كان في ذلك السلامة ولو لمريض واحد، إن الدكتور محمد رجلٌ عصاميٌ جَسور، سَهرَ الليالي يربط ويقارن ويحلل ويقرأ، فتوصل أن الداء هو حمى الوادي المتصدع، وأثبت لزملائه ذلك فأسرعوا على الفور يعالجون المرضى من ذلك الداء الذي تم تشخيصه من قِبل زميلهم، وجاءت بعد ذلك التحاليل من أمريكا لتؤكد اكتشافه بأن الوباء هو حمى الوادي المتصدع، فأنقذ الرجل بتوفيق الله مجتمع جازان والوطن من ذلك الداء الخطير، وروى حديث الملك عبدالله رحمه الله معه حين زارهم وكيف حصل على وسام الملك عبدالعزيز، وصَلينا في مسجد البلدة التي أنجبت أولئك الرجال، فوجدنا برنامجاً آخر من مجالات العمل الخيري، لقينا مدرسة تعمل في المسجد تضم أكثر من مائة وستين طالباً يقوم عليهم كوكبة من أبناء البلدة نذروا أنفسهم خدمةً لدينهم ووطنهم، ولأني رجل تعليم فقد استوقفني منظر الصغار وهم يتلون كتاب الله ويحفظون بجانب القرآن الكثير من المتون الشرعية بفهمٍ ولغةٍ سليمة، لقد وجدت هناك في تلك البلدة الصغيرة القصيّة في وطننا الغالي أموراً أسعدتني وجعلتني أختار عنوان المقال باسم تلك البلدة، لقد أنجبت ولا زالت تنجب فحول الرجال، أنجبت علماء، وأطباء، وحُفاظاً لكتاب الله، ومعلمون، ورعاة للعمل الخيري، تلك بلدة ( الظبية ) ضاحية من ضواحي مدينة جازان اسم على مسماها، جميلةٌ، ولادةٌ لخيرة العقول إنها أنموذجٌ في العطاء الوطني المبارك.