Responsive image
بتاريخ 19-03-2020

كورونا والتخويف!

855 :عدد المشاهدات

قال تعالى: " وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا "[1].

كورونا وما أدراك ما كورونا. آيةٌ من آيات الله، ومعجزةٌ من معجزاته ، جنودٌ مُرعبة لا تُرى " وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ "[2].

تقدمَ العلم، وتبارى العلماء في مراكز بحوثهم، وتنوعت علومهم، فجاؤوا بالأسلحة الجرثومية، والصواريخ العابرة للقارات، والأسلحة النووية وغيرها، واهتموا بالإنسان؛ شرحوه وحللوه، واهتدوا لعلوم الجينات البشرية، ونجحوا في زراعة الأعضاء الآدمية، ووضعوا الشرائح الإلكترونية في جسم الإنسان، وجاؤوا بالإنسان الآلي، وتباهوا بتقنياتهم المذهلة، وكل حين نسمع بعلمٍ واختراعٍ جديد. وكادت بعض الدول أن تقول كما قال قوم عاد " وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ "[3]، وتمادي بعض الملحدين في إنكارهم لدين الله وتطاولوا على الذات الإلهية " أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ"[4]، وها قد نزل وباء كورونا بالدول، فَعَلا نذيرُهم، وساءت حالُهم، وكان التحدي؛ ضربَ هذا الفيروس المتناهي في الصغر دول المال والعلم، دول القوة والجبروت، دول مراكز البحوث والاختراعات. فيروسٌ لا يُرى، هو جنديٌ من جنود الله، فيروسٌ متحركٌ مُعدي، يُمهل المصاب ويتركه بين الأطباء محتارين فيعجزون عن شفائه في أرقى المستشفيات، ويعلنون فشلهم وعجزهم عن وجود الدواء، فيروس أخاف الأطباء من مرضاهم، لم نسمع يوماً بطبيبٍ يخاف من مريضه قبل كورونا "وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ"[5]. هَلَعٌ وقلق، كورونا كيف جاء، ومن الذي منحه قوة الانتشار، وقوة التحدي، وقوة التكاثر، وقوة الانتقال! وباءٌ أرعب الكبار قبل الصغار، وعَطَّل دول العالم، وأخاف الشعوب، وباءٌ سَلّطَه الله على دول العالم المتقدم، ولو انتشر في الدول الفقيرة لشمتوا بهم، لكنه ضرب بلاد العلم والاقتصاد وبان عجزهم، وانكشف ضعفهم.

كورونا جنودٌ لا تُرى ؛ عطلت المصانع، وأوقفت الإنتاج، وشلت حركة النقل، وجعلت كل دولة تحاصر نفسها بنفسها كورونا، وقفت البشرية حائرةً عاجزةً أمامه، حتي ولو اهتدوا فيما بعد للعلاج، فإنهم يعيشون هذه الأيام مذهولين مهزومين أمامه، يعيشون الخوف والقلق والوحدة، يخافون من بعضهم البعض، إن كورونا تُذكرنا بفرعون وآيات الله التي خرجت في زمانه "فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ"[6]، عَجَزَ فرعون وقومه ، ولجؤوا إلي نبي الله موسى عليه السلام يسألونه أن يدعو الله ليكشف عنهم تلك الابتلاءات، وها هي آيات الله تتكرر "وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا". كورونا هو المعجزة التي وحدت البشرية اليوم، وجعلتها بكل معتقداتها، وتوجهاتها الدينية، واللادينية ، والعرقية، والإثنية، الغنية والفقيرة، كلهم في زاوية، وكورونا في زاوية.

هو التحدي؛ فيروسٌ صغير أربك زهرة الحياة الدنيا الزاهية، فجأةً اهتزت الزهرة، وصاح نُظّارُها، وفي هذه الهزة العالمية يتحدث الإيمان فالأقدار بيد الله "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِه ". يقول الأطباء: علاج كورونا هو في قوة مناعة الأجسام، وقد منح الله المسلمين زاد المناعة؛ إنه القرآن الكريم، فلنعُد إليه بتأملٍ وتدبر، ولنقرأ قوله تعالي "وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ "[7]. إن الابتلاءات تمحيصٌ وامتحان، فلنقبلها بصبرٍ واحتساب. ونحن المسلمين خلقٌ من خلق الله، نؤمن بما جاء في كتابه، ومن يقف متأملاً قوله تعالى: "وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ"[8]. وقوله تعالى: "مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ "[9] يجد الطمأنينة وتقوى لديه المناعة ، كيف وهو يجد آيات التوكل وقد تكررت في عدة سور، وفي ذلك تنبيهٌ للمؤمنين بأن الكون كله بيد الله ؛ فإليه ركونُنا ، وإليه ملاذُنا ، وعنده شفاؤنا "وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ"[10]، وهذا اليقين هو جرعة المناعة القوية، فكلُ شيءٍ بيد الله، ومن أدوات المناعة والحصانة الإكثار من الاستغفار "وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ "[11]، كما يجب أن نستحضر عظمة القرآن وبركته المستمرة ففيه الشفاء " وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ "[12] "كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ"[13].

 

[1]  سورة الإسراء : 59 .

[2]  سورة المدثر : 31 .

[3]  سورة فصلت : 12 .

[4]  سورة الصافات : 176 ، 177 .

[5]  سورة الصافات : 173 .

[6]  سورة الأعراف : 133 .

[7]  سورة الأنبياء : 35 .

[8]  سورة يونس : 107 .

[9]  سورة الحديد : 22 .

[10]  سورة التوبة : 51 .

[11]  سورة الأنفال : 33 .

[12]  سورة الإسراء : 82 .

[13]  سورة ص : 29 .